ص۟ـــــــــــونٌ مَقَـــــامَ الْعُلَمَــــــاءِ مِنْ أفْــــــوَاهِ السُّفَهَـــــــاءِ


Channel's geo and language: Iran, Persian
Category: Darknet


قناة (صون مقام العلماء من أفواه السفهاء) وُجِدت للدفاع عن أئمة الإسلام وعلماء أهل السنة، والرد على الحدادية وأهل الغلو الذين طعنوا في الأكابر بغير علمٍ ولا بينة، فجعلوا ألسنتهم حدادًا على ورثة الأنبياء، فأساءوا الأدب مع العلم وأهله، وزاغوا عن منه

Related channels

Channel's geo and language
Iran, Persian
Category
Darknet
Statistics
Posts filter


ومن هذه المصطلحات: “خوارج العصر”، “سرورية”، “حركية”، “قطبية”، وغيرها من التسميات التي لم يكن لها وجود مؤصّل في الواقع العملي داخل ساحات الجهاد أو مجامع أهل السنة، وإنما أُنشئت ودُعِّمت في مختبرات الإعلام الرسمي للأنظمة العلمانية التي حكمت بلاد المسلمين، لتكون سلاحًا موجّهًا نحو كل صوت ناصح، وكل جماعة مجاهدة، وكل عالمٍ رباني يأبى الركون إلى الظالمين.

نعم، قد يوجد أفراد شذّوا في فهمهم أو في منهجهم، وهذا واقع في كل ميدان، لكن تضخيم هذه الحالات الشاذة النادرة، وتوظيفها لإسقاط طائفة كاملة، أو وصم ساحة الجهاد برمتها بتلك الانحرافات، فذلك من الظلم البيِّن، والخذلان المبين.

ولو جئنا إلى الذين يطلقون هذه الألفاظ، وطالَبْناهم بتنزيل هذه المسميات على الأصول الشرعية، لم يستطيعوا، وسوف تجد أن هذه التسميات لا محل لها من الإعراب في واقعنا الحالي، وليست إلا إبرًا مخدّرة، تُسكِت صوت الحق، وتُجمّل صورة الباطل، وتُفرغ المعاني الشرعية من محتواها، وتُسوِّغ السكوت عن الطواغيت بل وتلميعهم، في الوقت الذي يُشنَّع فيه على المجاهدين، والمصلحين، والعلماء الربانيين.

والواقع يشهد أن هذه المصطلحات لا تُستخدم في مواجهة من عبَد الأوطان، ولا من طعن في الثوابت، بل تُوجَّه غالبًا نحو من تمسّك بالسنة، ونافح عن بيضة الأمة، ورفع راية الجهاد في وجه المحتلين والطغاة.

وللأسف، وجد هذا التيار المضلِّل له أتباعًا يُسقِطون النصوص الشرعية في غير مواضعها، ويحرفون مقاصد الأحاديث، فيجعلون أحاديث الخوارج – مثلًا – سيفًا مُسلطًا على رقاب المجاهدين، ويؤولون كل حديث في وجوب نصرة المسلمين بما يُسوِّغ خذلانهم، ويتعسفون في تأويل النصوص حتى يُسكَت صوت الجهاد، ويُجمَّد الدين، وتُلغى أحكام القتال في سبيل الله.

ثم يأتيك هذا الشخص، فتجده يُلتمس الأعذار للطواغيت والكفرة، ويتكلّف في تأويل جرائمهم، ويخترع لهم المخارج الشرعية والفقهية لتبرير بقائهم. ثم إذا به هو نفسه يتعجب: كيف تمدد الشيعة؟ كيف تغوّلت إيران؟ كيف سقطت الدول السنية؟ وهو لا يدري – أو يدري ويتجاهل – أنه كان أداة فعالة في تدمير كل مشروع نهضوي للدفاع عن أهل السنة، ومحاربة من بذلوا أرواحهم ودماءهم فداءً للأمة.

والمؤلم – بل والمضحك المبكي – أن ترى هؤلاء يتباكون على حال الأمة، ويرددون في المجامع: “اللهم انصر الإسلام والمسلمين”، وهم لم يتركوا وسيلة إلا استخدموها في محاربة الإسلام الحق، والمجاهدين الصادقين، والعلماء الربانيين.

فلْيُعلَم أن الأمة لا تسقط فقط بصواريخ العدو، بل قد تُسقِطها الكلمات المسمومة، والمصطلحات الموجهة، وأشباه العلماء الذين لبسوا الحق بالباطل، وباعوا دينهم بدنيا غيرهم.

والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصطلحات المصطنعة وأثرها في تفكيك صفوف أهل السنة وتشويه ساحة الجهاد

فإن من أعظم أساليب الحرب الفكرية والنفسية التي شُنَّت على أهل السنة في هذا العصر ما يُعرف بـ “المصطلحات الهدامة”، وهي أوصاف أُلصقت زورًا وبهتانًا بأهل الحق والمجاهدين المخلصين، لا لتوصيف واقع، بل لتشويه صورة، وخلخلة صف، وتمييع ثوابت.


قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
“لأن أُهدم البيت حجرًا حجرًا، أحب إليَّ من أن أُراق دم امرئٍ مسلم بغير حق.

فهل عقلت؟
هل فهمت مقامك في دين الله؟
أم أن النشيد الوطني أطفأ فيك صوت الوحي؟

✦ لا، ليس الوطن هو المعيار.
✦ ولا الحدود هي العقيدة.
✦ ولا الطين أغلى من الدين.

فالوطن عزيز حين يكون حاضنةً للإسلام، لا حين يكون خصيمًا للقرآن وسوطًا على عباد الرحمن.
وحبُّه مشروع ما لم يُلبَّس لباس العبادة، أو يُرفع فوق لواء العقيدة.

فإياك أن تُنكِّس راية الدين لترفع علم الوطن، ثم تزعم أنك على صراط مستقيم.
وإياك أن تجعل ولاءك للأرض يفوق ولاءك للرب، ثم تتحدث عن الثوابت!

يا عبد الله، لا تغتر بزخرف العبارات:
✦ “حب الوطن من الإيمان” ليست حديثًا.
✦ و”الوطن خط أحمر” لا توجد في البخاري.
✦ و”نموت فداءً للتراب” لا قالها نبي، ولا صدّقها وليّ.

بل قل كما قال الصالحون:
“اللهم اجعل بلدي بلدًا يُعبد فيه دينك، ويُعلو فيه شرعك، فإن لم يكن كذلك، فثبّتني على الحق ولو كنت في فلاة وحدي.”


🟫 لا تجعل الوطن صنمك

احذر أن تبيع دينك بثوب الوطنية، أو ترفع راية الوطن فوق لواء الشريعة.
فما خلقك الله لتكون جنديًّا على حدود جغرافيا، بل عبدًا له وحده، في كل أرض وتحت كل سماء.

🔸 في شريعة الله: دمك أغلى من الكعبة.
🔸 وفي شريعة
الأوطان:تموت من أجل التراب، وأنت أرخص من حجارة.

فكيف تسلِّم رقبتك للتراب، وتدير ظهرك للكتاب؟
وكيف تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ثم تظن أنك ما زلت على هدى؟


لقد انحرفت حماس انحرافًا فاحشًا حين مدّت يدها لإيران، وفتحت باب الشكر والثناء على دولةٍ رافضيةٍ تنقض أصل الإسلام، وتطعن في الصحابة، وتغرس شوكتها في جسد الأمة منذ عقود.
ومن التقرّب إلى الروافض، والثناء عليهم، والثقة بهم، ما لا تقبله الفطرة قبل الشريعة، فضلًا عن أن يُسمّى سياسةً شرعية أو مدخلًا إلى النصر.
وليس في الشكر على السلاح مسوّغٌ للتودّد، ولا في الحاجة مسوّغٌ للمولاة، بل هو من اتباع الهوى باسم “المصلحة”.

لكنّ العجب كل العجب، أن ترى من جعل انحراف حماس بدعةً وضلالًا، ثم يسكت، بل يبرّر، إذا صدر ما هو أعظم من رأس النظام نفسه!

محمد بن سلمان يعزّي قادة إيران، ويسمّي دولتهم “الدولة الإسلامية الشقيقة”، ويدعو لزعمائها بالرحمة والمغفرة!
فأين ذهبت عبارات: “من ترحَّم على الرافضة فقد رضي بدينهم”، و*“من دعا لهم بالمغفرة فقد أنكر شركهم”،* التي صدَّع بها المداخلة رؤوس الناس؟
أين فتاوى التكفير بالتقارب؟ وأين الجنازات التي أقيمت للعقيدة كلما ذكرت حماس اسم إيران؟
بل أين ذهبت قاعدة “التحالف مع الروافض رِدَّة”، التي كانوا يُنادون بها ليلًا ونهارًا؟!

أم أن للحاكم في قلوبهم مقامًا لا تبلغه النصوص، ولا تصل إليه أحاديث الولاء والبراء؟
إن كان الترحُّم على الرافضة بدعةً وضلالًا عندهم، فلماذا سكتوا عنه لما صدر من وليِّ أمرهم؟
وإن لم يكن كذلك، فبأيّ حقٍّ جعلوه ناقضًا للدين حين صدر من خصمهم؟

من يسمّي إيران “الدولة الإسلامية الشقيقة”، ثم يمضي في التحالف معها، ويقيم الشراكات، ويبادلها التعازي، ويدعو لزعمائها بالرحمة، فقد هدم بيده ذريعة التبديع التي كان يختبئ خلفها لسنوات.

فأيّ بقاءٍ لكم بعد أن خُلع الغطاء؟
بل ما فائدة وجودكم إن كنتم لا تعرفون المنكر إلا إذا خرج من خصوم النظام؟
أما إذا خرج من الحاكم، صار عندكم من “السياسة الشرعية”، أو “فقه الموازنات”، أو “تعزيةٍ دنيوية لا علاقة لها بالدين”، على حدِّ تعبيركم المعلّب!

هذه ليست سلفيّة، بل صورة من صور النفاق المعاصر، وإن سُمِّيت “سلفية الطاعة” زورًا.
سلفيةٌ تغضب لدعاء فرقة ضالة، وتبارك دعاء الحاكم!
سلفيةٌ لا ترى البدعة إلا إذا خرجت من فرقةٍ تخالف النظام، ولا ترى الشرك إلا إذا نطق به العدو، أما إذا جاء من قِبَل السلطة، فصمتٌ ودفنٌ للنصوص!

نقولها عدلًا:
حماس فرقةٌ ضالة، انحرفت عن منهج أهل السنة ووالَت الروافض ومدحتهم،
والنظام وقع في ضلال عظيم حين ترحّم على زعمائهم وتودّد إليهم،
والمداخلة خانوا الدين حين جعلوا الحق تابعًا للسياسة، لا تابعًا للدليل.

فإن كان عندكم صدق، فأنزِلوا على النظام ما أنزلتموه على حماس،
وإن أبيتم، فأنتم شهودُ زور، وأتباعُ سلطة، لا دعاةُ سنّة


🟫 ميزان الأهواء: حين تصير البدعة كفرًا عند الأعداء، ومغفرةً عند الولاء

إذا صار الولاء هو المعيار، صار الدين مطيَّةً، والحقُّ يدور مع السلطة لا مع الدليل


نشأ في هذا العصر نوع جديد من الانحراف الفكري يُلبس لباس السلفية، وهو في حقيقته تيار علماني خفي، يُسمّى مجازًا بـ”السلفية المدخلية” أو “السلفية المفرغة”، وهو تيار استُغلّ فيه شعار السلف الصالح، لتفريغ الإسلام من جوهره، وعزله عن الحياة العامة، وتحويله إلى طقوس فردية لا تتعدى جدران المساجد.

وهذا التيار، وإن رفع راية السلف، إلا أنه فصل الدين عن السياسة، وعن الحكم، وعن شؤون الأمة، وعن الإنكار على المنكرات العامة، وحصَرَ الدين في أبواب الصلاة والوضوء وآداب الدخول والخروج، وجعل أحكام الشريعة الكبرى في الحكم والسياسة والحرب والسلم من اختصاص السلطان وحده، وإن خالف الوحي وأهلك الأمة.

وهكذا تولدت ما يمكن تسميته بـ”السلفية العلمانية” أو “السلفية الوظيفية”، التي أُنتجت نتيجة اختراقٍ عميق قاده التيار المدخلي، المدعوم من أنظمة لا تريد للإسلام أن يحكم، بل تريد منه فقط أن يبرر، ويصمت، ويُدجّن.

فهم لا ينكرون على الحاكم إن حكم بغير ما أنزل الله، ولا إن ظاهر الكفار، ولا إن صادر أموال الناس، ولا إن عطّل الحدود، ولا إن قمع الدعوة، بل يرون الطعن في الحاكم الفاجر او الكافر من أعظم الكبائر، أما الطعن في العلماء والدعاة المجاهدين، والمصلحين الآمرين بالمعروف، فهو عندهم من الجهاد في سبيل الله!

لقد غيّر هذا التيار مفهوم “السمع والطاعة” من بابٍ منضبط تُحفظ به الجماعة وتُحقن به الدماء، إلى ذريعة لتعطيل الشريعة، و”السكوت على الباطل” باسم الصبر، و”الطعن في المجاهدين” باسم منع الفتنة، و”موالاة الظلمة” باسم التوحيد.

وبهذا انفصل الدين عن واقع الأمة، وتحوّل إلى دروس فقهية معزولة عن معركة العقيدة والهوية، وسكت كثير من المنتسبين للسلفية عن نواقض الإسلام الكبرى، واكتفوا بالتحذير من رفع السبابة قبل أوانها، أو مدّ الرجل في الصلاة أكثر من اللازم!

هذه ليست سلفية محمد بن عبد الوهاب، ولا سلفية ابن تيمية، ولا سلفية الأئمة الذين كانوا يواجهون السلطان إذا جار، وينكرون البدع إذا ظهرت، ويقودون الأمة للرجوع إلى الله بحقٍّ وصدق.

السلفية الحقّة دين شامل، يُقيم التوحيد في القلب، ويحكم به في الأرض، ويضبط به السياسة كما يضبط به الصلاة، ويُقيم به الدولة كما يُقيم به الجماعة، ويُعلي سلطان الله فوق كل سلطان، وشريعة الله فوق كل دستور.

أما “السلفية المدخلية”، فهي مشروع نزع الروح من جسد الدين، وإبقاء شكله، ليُستخدم في تبرير الطغيان، وقمع الشعوب، وتشويه صورة السلف الصالح أمام الأجيال.

فليُحذر من هذا التيار، فإنه أشدّ خطرًا من كثير من دعاة البدع المكشوفين، لأن ضرره يأتي باسم السنة، ويضرب من داخل الصف، ويغرس الانبطاح في قلوب الشباب باسم الطاعة، ويصنع لهم إسلامًا مستأنسًا لا يعرف الجهاد، ولا يعظم الأمر بالمعروف، ولا يغار على الدين، ولا يقيم لله ميزانًا في الأرض.


Video is unavailable for watching
Show in Telegram
🟫 السلفية العلمانية: حين يُختطف اسم السلف لتمرير مشاريع الغرب


في الأنظمة الغربية، ومعها الدول العربية التي اتخذت من العلمانية منهجًا في التشريع والحكم، تُعدّ عقوبة قتل المرتد جريمة في نظرهم، بل يُعدّ الحديث عنها تعدّيًا على “حقوق الإنسان”، وتضييقًا على “الحرية الدينية”، حتى لو كان المرتد ممن عرف الحق ثم انقلب عليه، وتمرد على من خلقه فسواه، وأظهر ردته، وسعى في الأرض فسادًا، يُضل الناس، ويشككهم في دينهم، ويهدم ما بقي في قلوبهم من يقين، بل وحتى مع وجود الاستتابة التي جاءت بها الشريعة، وأوجبت فيها إقامة الحجة، وتكرار البيان، ومنح الفرصة للرجوع، فإنهم يرون ذلك كله ظلمًا، ويمنعون أن يُمسّ المرتد بسوء، وإن تلبس بأقبح صور العداء لله ولدينه.

لكنهم في الوقت ذاته، لا يرون بأسًا بأن يُقتل من خرج على النظام الحاكم أو عارضه، ولو بكلمة أو رأي أو تغريدة، وإن لم يحمل سلاحًا، ولم يُعلن حربًا، ولم يُفسد في الأرض، بل قد يكون ذلك في بعض تلك الدول بلا محاكمة، ولا استتابة، ولا بيان، ولا تحقيق عدلي منضبط، بل يكفي أن يُتهم الإنسان بأنه ضد الدولة، ليُعدم أو يُغيب أو يُشهر به، ثم يُقال بعد ذلك: “حماية للأمن، وصونٌ للاستقرار”.

فإذا كان المرتد في الإسلام لا يُقتل إلا بعد استتابة، وتكرار البيان، وإقامة الحجة، ومعاودة النصح، وكان قتله دفعًا لفساده في دين الناس وعدوانه على الشريعة، فإن الخارج على النظام السياسي في هذه الأنظمة يُقتل لأجل منصب، أو كرسي، أو دستور، أو حدودٍ وُضعت على أهواء البشر.

فأيُّ العدوانين أولى بالزجر؟
وأي الفئتين أحق بالحماية؟
دين الله الذي هو سبب الخلق وأصل الوجود، أم نظام وضعه بشرٌ يخطئون ويظلمون ويبدّلون؟!

هذا التناقض ليس خللًا في الإدراك فحسب، بل هو ثمرة منهجٍ يُعظم الدولة أكثر من الدين، ويغار على سلطان البشر أكثر من شرع رب العالمين، ولو كانت الغيرة على الدين كهذه الغيرة على الأنظمة، لما خُذل الحق، ولا انتُقصت الشريعة.




Video is unavailable for watching
Show in Telegram
من أعظم التناقضات في المنهج المدخلي المنحرف: أنهم يُجيزون للحاكم الخروج على الله، والحكم بغير ما أنزل الله، بل ومحاربة دين الله، والدعوة إلى غير الإسلام، ثم يُحرّمون الخروج عليه بمستند من الشريعة التي خرج عليها، وحارب من أراد تطبيقها!

وتجد الحاكم عندهم قد جمع نواقض الإسلام كلها، وفعل كل أنواع الشرك، فيُبرّرون له كل أنواع الكفر، والشرك، والفسق، والزندقة، والمعاصي، ثم يبقى عندهم “وليّ أمر” يجب له السمع والطاعة، لا يُنتقد، ولا يُنكر عليه، ولا يُكفّر، ولو بلغ كفره عنان السماء!
فيُجيزون له الخروج على الله، ويُحرّمون الخروج عليه بشرع الله!

وإذا خرج عالمٌ ربانيّ، قضى عمره في الدفاع عن الشرع والدين، ونصرة الإسلام وأهله، وقال كلمة حق في وجه الطاغوت المفسد في الأرض، وأنزل عليه حكم الله الذي يسحقه، اتُّهِم بأنه من الخوارج، عميل، يريد الشر بالإسلام والمسلمين، وصار عندهم لا يُسمع له، ولا يُؤخذ منه العلم، بل يجب أن يُسجن أو يُقتل!

فأيّ جُرمٍ أعظم من هذا الجرم؟! وأيّ قلبٍ للحقائق أبشع من هذا المسلك؟! جعلوا الطواغيت موحّدين، وجعلوا العلماء الربانيين خوارج مارقين!


بل يبقى التوحيد هو الأصل، والسنة هي الضابط، والدين لا يُباع من أجل كرسيٍّ أو راية أو جماعة.

والله الهادي إلى سواء السبيل.


ومن أوضح النماذج على هذا التلاعب: ما تفعله جماعة الإخوان المسلمين، ممن يقدمون المشروع الحزبي على الإسلام، ويتخذون من الشريعة قناعًا لتحقيق الغايات، لا عقيدةً تحكم المسير وتضبط الطريق. فهم يدعون إلى التقارب مع الرافضة، بل إلى اعتبارهم من المسلمين، ويهاجمون كل من يُحذّر من عقائدهم الشركية، ويصفون الناصحين بالعمالة، والموحدين بالتشدد، والمخلصين للصراط المستقيم بأنهم أعداء “الوحدة الإسلامية”!

وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة: أن يصبح العدو هو من يُبيّن انحراف المشرك، ويُعتبر الأخ من سبَّ الصحابة، وطعن في أم المؤمنين، ودعا غير الله من دون الله، وقال بتحريف القرآن، وجعل أئمته آلهة مشرّعة من دون الله.

إن الدعوة إلى اعتبار الرافضة من أمة الإسلام، وهم على ما هم عليه من الكفر والشرك والزندقة، هي في حقيقتها كدعوى كفار قريش الانتساب إلى ملة إبراهيم؛ فإنهم قالوا: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}، وادّعوا أنهم على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهم أبعد الناس عن الحنيفية. والرافضة اليوم يدّعون الإسلام، وهم أول من ينقضه، ويهدمه، ويطعن في أهله؛ فلا يجتمع معهم في ملة من عرف قدر التوحيد، وصدق الكتاب، ووقّر الصحابة.

ومن تمام الانحراف عند هؤلاء الحزبيين، أنهم يوالون ويعادون على هذه الدعوة الباطلة، فيرفعون من وافقهم، ولو كان مشركًا رافضيًّا، ويسقطون من خالفهم، ولو كان من العلماء الربانيين. وهذا الميزان المقلوب لا يعرفه التوحيد، وإنما هو ميزان الحزب والتنظيم.

وقد يقول بعض المغترين: إنهم مضطرون لهذا التقارب، وإن الظروف السياسية تفرضه، وإنهم لا يملكون خيارًا آخر. ونقول لهؤلاء: نعم، الاستعانة بالكافر على الكافر جائزة إذا ضُبطت بضوابط الشريعة، ولم تُخلّ بثوابت الإسلام، لكن هذا غير ما تفعلونه أنتم؛ فأنتم لا تكتفون بالاستعانة، بل تصفون المشرك بأنه أخ في الدين، وتسوّغون بدعته، وتعتذرون لشركه، وتدافعون عن طعنه في الصحابة، وتهاجمون من يُبيّن ضلاله.

والفرق كبير بين الاستعانة والتمجيد، وبين المعاملة والتزكية. النبي ﷺ استعان ببعض المشركين، لكنه لم يمدح عقائدهم، ولم يعتبرهم من أمته، ولم يذمّ من حذّر منهم. أما أنتم فقد قلبتم الإسلام، حتى صرتم تطعنون في الموحدين، وتُسكتون صوت التحذير من الشرك والرفض والبدعة، بحجة “الوحدة” و”المرحلة” و”الضرورة”!

وكلما صدح موحّد ببيان خطر الرافضة، أسقطتموه، واتهمتموه بالخيانة، بل رميتموه بالصهيونية، مع أن الشريعة قدّمت الكافر الكتابي على الكافر الوثني؛ فقد استعان النبي ﷺ بيهود المدينة لقتال كفار قريش، رغم أن كفار قريش كانوا يعتنون بالكعبة، ويخدمون الحجاج، ويعظّمون نبي الله إبراهيم. ومع ذلك، حارب النبي ﷺ قومه الوثنيين مع اليهود الكتابيين في المدينة، وقدّم اليهودي الكافر على الوثني المشرك.

واليوم لا يجوز القتال لا مع اليهود الكفار، ولا مع الرافضة المشركين، لأن كليهما كفار حربيون، والكافر الحربي لا يجوز معه عهد ولا ميثاق. ثم إن الرافضة اليوم لا يأخذون حكم الرافضة المتقدمين من المفضِّلة الذين كانوا يُفضلون عليًّا رضي الله عنه، بل حكمهم حكم السبئية، والسبئية كفار أصليون بإجماع أهل العلم.

والبعض يبرر ويقول: إن موالاة الرافضة أفضل من حكام العرب الذين يوالون الغرب. وهذا تلبيس مفضوح؛ فليس فساد غيرك مسوّغًا لتصحيح مذهبك، وليس كفر غيرك مبررًا لك حتى تكفر. نعم، حكام العرب قد خانوا الأمة، وباعوا قضاياها، وحاربوا الدين، لكن هذا لا يجعل الرافضة على حق، ولا يصحّح دينهم الباطل. بل الجميع يُردّ عليهم، ويُعرف قدرهم في ميزان الإسلام، فكل من حاد عن التوحيد فهو خصم لله، سواء لبس عباءة الحكم أو عباءة المقاومة.

وقد رأينا بأعيننا تناقض الإخوان في مواقفهم، فحينما تعارضت مصالحهم مع الرافضة، سمعنا منهم تكفيرًا للشيعة، وتنديدًا بعقائدهم، واستحضارًا لنصوص الرد عليهم. ثم لما التقت المصالح، عادوا إخوة في الدين، وشركاء في الأمة! أهذا توحيد يتقلب حسب المصلحة؟! أم هذا دين يقوم على اليقين والاتباع؟!

إن هذا المسلك الحزبي الباطل هو في حقيقته تمييع للتوحيد، وتفريط في العقيدة، وتنازل عن الإسلام باسم المصلحة، وهي طريق لا تثمر إلا الذل والخذلان. قال تعالى:
{وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}
وقال:
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.

فعقيدة الولاء والبراء لا تُباع في سوق المصالح، ولا يُساوَم عليها في مجالس السياسة، ومن فرّط فيها فقد فرّط في التوحيد.

والواجب على كل مسلم أن يُبصر بهذا التلاعب، وأن يكشف زيفه، ويحذّر من أهله، وألا ينخدع بشعارات “الوحدة الإسلامية” التي تُرفع على أنقاض التوحيد، ولا بنداءات “التقارب” التي تُطلق فوق جماجم الصحابة وعقائد السلف.


فمن أعظم ما ابتُليت به الأمة في هذا الزمان: تلاعب بعض الجماعات الحزبية بالأحكام الشرعية، وتسخير الدين لخدمة الأهواء السياسية، حتى غُيِّب التوحيد، وشُوِّهت معالمه، وأُقصيت عقيدة الولاء والبراء، وجُعلت النصوص الشرعية مطيةً للمكاسب الدنيوية، وتبريرًا للتقلبات الحزبية.


ومن الأمثلة الصريحة على هذا المسلك المنحرف ما فعله المدعو “الخليفي” في منشوره الذي طعن فيه في الشيخ مصطفى العدوي - حفظه الله -، فشبّهه بالرافضة، وقال عنه: “باحث مصري منتسب للسنة”!
تخيلوا! الشيخ مصطفى العدوي، الذي أفنى عمره في دراسة الحديث وتعليمه، والدعوة إلى التوحيد، ومحاربة البدع والقبوريين، والذي كان له أثر عظيم في كسر شوكة الأزهر الأشعري، ورفع راية السنة في مصر، أصبح يُطلق عليه “منتسبًا” لأهل السنة! في محاولة مكشوفة لتسقيطه والطعن فيه!

وكل ما ينقمه هذا الجاهل على الشيخ مصطفى، أنه سُئل عن ما ورد في عبد الله بن سبأ، فقال:
“لم أقف على أسانيد صحيحة تثبت خبره”.
فهل أصبحت الأمانة العلمية، والتحري في النقل، والصدق في الجواب، تهمة تجعلك متشبهًا بالرافضة؟!
هل أصبح قول “لا أعلم” جريمة؟!
بل هذه هي أخلاق المحدثين الكبار، الذين لا يتكلمون إلا بعلم، ولا يثبتون شيئًا إلا بدليل. لكن يبدو أن القوم لا يفرّقون بين العقيدة والرواية، ولا بين النقد العلمي والطعن الشخصي، فاختلطت عندهم المفاهيم، وغلبهم الهوى والحقد.

نحن في زمنٍ تكلّم فيه الرويبضة، وتطاول فيه السفهاء على من قضوا أعمارهم في خدمة الإسلام، وصار الطعن في العلماء الصادقين متعة عند الحدادية، الذين يقلبون الحقائق، ويشوّهون سمعة أهل السنة بأساليب خبيثة.

وليس الخليفي وحده من سلك هذا المسلك، بل هذه عادة أكثر سفهاء الحدادية، وعلى رأسهم المدعو محمد بن شمس الدين، الذي لا يتورع عن إطلاق ألفاظ الكفر على مخالفيه من أهل السنة، بل تكرر منه لعن صريح لدين مخالفيه، وهم من أهل السنة!
وهذا من أعظم الفجور في الخصومة، وتكفير المسلمين بغير حق، وخداع للعوام باسم الغيرة على الشريعة، وهو عدوان وظلم صريح على منهج أهل السنة.

بل إنك كلما رأيت هذا الرجل يختلف مع أحد من أهل السنة، أطلق عليه عبارات توهم الكفر، فيقول له: “أنت لا تعظّم صفات الله”، أو “لا توقّر النبي ﷺ”، كما فعل مع الشيخ وليد إسماعيل والداعية حسن الحسيني، وهذه ألفاظ خبيثة يُراد بها تكفير علماء أهل السنة من تحت الطاولة؛ لأنهم أجبن من أن يصرّحوا بذلك صراحة، فهم يعلمون أن الحثالة لا تجرؤ على مواجهة الجبال الراسخة، وأنهم لو اصطدموا بهذه الجبال الصلبة، المبنية على الكتاب والسنة، لتحطّمت عظامهم.
ولا يصدر هذا المنهج إلا من شخصٍ فقد الورع، واستخف بالدين وأحكامه.

وهذا هو منهج الحدادية: تسقيط، وطعن، وغلو، وتحريف لأقوال العلماء، واتهام للمخالفين في دينهم. وليس هذا من منهج السلف في شيء، بل هو من صفات الخوارج، الذين يكفّرون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان.

والواجب على طلاب العلم والشباب السني ألا يُخدعوا بهذه الأساليب، وأن يعرفوا حق العلماء وأقدارهم، وألا يغتروا بمن يتكلم بلسان السنة وهو في الحقيقة من أشد الناس عداوةً لها ولأهلها.

ونصيحتي لطلبة العلم: لا تُحسنوا الظن بمثل هؤلاء، فإن غايتهم الحقيقية إسقاط الشاهد حتى يسقط المشهود، ولو كانوا صادقين لواجهوا وسمّوا الأمور بأسمائها، لا بالتلميح والتشغيب.

نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يعزّ أهل السنة الصادقين، وأن يحفظ علماءنا ودعاتنا من طعن الطاعنين، وأن يجعلنا ممن يعرف الحق وأهله، ويثبّت أقدامنا على طريقه.

والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


قذارة الحدادية في تعاملهم مع أهل السنة المخالفين لهم

من أبشع ما يفعله الحدادية في هذا الزمان هو طريقتهم القذرة في التعامل مع من يخالفهم من علماء أهل السنة، حيث يتعمدون تسقيط العلماء والدعاة بمجرد مخالفتهم في منهجهم المنحرف، فيرمونهم بألفاظٍ موهمة للكفر والانحراف، حتى يُشوشوا على الناس، ويُسقطوا مكانة العلماء من قلوب العامة. وهذه طريقة خبيثة ليست من السنة في شيء، بل هي من أخلاق ونهج أهل الأهواء.


نعم، نحن لا ننصر ولا نوالي الرافضة المجوس المشركين، الذين طعنوا في عرض رسول الله ﷺ، وسبّوا خيار الأمة من الصحابة، وكفّروا جمهور المسلمين، وأسسوا عبر تاريخهم الطويل مشروعًا عقائديًا باطنيًا قائمًا على الحقد والخيانة والغدر. ولا نوالي كذلك اليهود الغاصبين المعتدين، الذين اغتصبوا أرض فلسطين، وانتهكوا الحرمات، وسفكوا الدماء، ودنّسوا المسجد الأقصى، واحتلوا مقدسات المسلمين، ولم يرقبوا في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّة. ومع ذلك كله، فإنه لا يجوز لأهل السنة أن يبقوا في وضع المتفرّج، وكأن هذا الصراع لا يعنيهم، أو كأنهم غير معنيين بمآلات هذه المعركة بين طرفين كلٌّ منهما يكنّ لأهل السنة البغضاء، وينتظر اللحظة التي يُجهز فيها على ما تبقى من شوكتهم. فإن هذه المعركة التي تحتدم اليوم بين المشروع الإيراني الصفوي والمشروع الصهيوني ليست نزاعًا سياسيًا عابرًا، بل هي صراع مشاريع كبرى، ومَن يُهزم فيه، فإن المنتصر لن يُبقي لأهل السنة نصيبًا من الأمن أو القرار أو التأثير. وإن الواجب على أهل السنة أن يهيّئوا أنفسهم لمواجهة العدو المنتصر، وأن يعدّوا ما استطاعوا من قوة، لا انتظارًا للمعركة القادمة فقط، بل لحماية ما بقي من ديار المسلمين ومصالحهم وعقيدتهم. وإن بقاء أهل السنة على حال التفرّق والانكفاء والعجز والتحليل من بعيد هو نوع من الانسحاب من ميدان الأمة، وترك الساحة لخصوم العقيدة من كل اتجاه، سواء كانوا رافضة أو يهودًا أو أنظمة وظيفية تصبّ في مصلحة أعداء الملة. ويجب على أهل السنة في هذا السياق أن يعيدوا النظر في مواقفهم وأحكامهم تجاه بعض الجماعات والفصائل التي –مع ما قد يُؤخذ عليها من أخطاء أو تجاوزات– كان ينبغي أن تُحتضن وتُسدَّد وتُقوَّم، لا أن تُقصى أو تُستعدى، خاصة وهي التي وقفت في وجه أعداء الأمة في كثير من المواطن، وقدّمت الدماء والتضحيات. وليس من الحكمة ولا من الدين أن يُنزع الغطاء عن هذه الفصائل المجاهدة ويُرمى بها في العراء، ثم يُستغرب بعد ذلك تمكّن العدو من بلاد المسلمين بلا مقاومة حقيقية. كما يجب أن يُدرك أهل السنة بوضوح تام أن هذه الأنظمة العربية القائمة ما هي في الحقيقة إلا أدوات أنشأها المستعمر الغربي، من بريطانيا وفرنسا وأمريكا، لتقسيم العالم الإسلامي، وضمان تبعيته السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولمنع أي نهضة إسلامية حقيقية تنطلق من العقيدة وتتوحد على التوحيد. وإن هؤلاء الحكام –في أغلب بلاد المسلمين– ليسوا إلا موظفين ينفذون ما يُملى عليهم من القوى الكبرى، يطبّعون مع العدو، ويضيقون على العلماء والدعاة والمجاهدين، ويقدمون الولاء التام لأعداء الأمة، في حين يقمعون شعوبهم، ويحاصرون كل مشروع سنّي مستقل. فلا يجوز الركون إليهم، ولا الثقة في وعودهم، ولا الدخول في تحالفات معهم تُفقد أهل السنة استقلالهم أو تُذيب مشروعهم العقدي. ومن الواجب الآن أن يعمل أهل السنة على إقامة مشروع مستقل، جامع، واضح الرؤية، متين الأساس، يقوم على الكتاب والسنة، وعلى منهج أهل السنة والجماعة، ويراعي السنن الشرعية والكونية في تحقيق التمكين، ويضم الكفاءات والجهود المخلصة، دون إقصاء ولا ميوعة، ودون تبعية للأنظمة العميلة. فهذا هو وقت العمل، لا وقت التراخي، ووقت التوحد على العقيدة والمنهج، لا وقت الخلافات الفرعية، ووقت الاستعداد للصراع القادم، لا وقت الغفلة والانشغال بالصغائر. فالأمة تمر بمرحلة مصيرية، وإن تأخر أهل السنة، أو ترددوا، أو تفرّقوا، فسيكتب عليهم التأخر لعقود قادمة، وسيُحكم عليهم بمزيد من الذل والهيمنة، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾، وقال سبحانه: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، فاللهَ اللهَ في أمتكم، وفي عقيدتكم، وفي دماء المسلمين، ومقدساتهم، وأعراضهم، ولا تكونوا من الغافلين، فإن التاريخ لا يرحم، والسنن لا تتخلف.


الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم، يردّون عن دينه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويبيّنون للناس معالم الدين على بصيرة، ويفرّقون في العقائد والأحكام بين مقالات الكفر وكفر القائلين، فينهجون منهج السلف الصالح في الفهم، وفي رد الفهم إلى ميزان الكتاب والسنة، بفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد:

فمن أصول أهل السنة والجماعة أن النصوص الشرعية لا تُفهم إلا على ضوء فهم السلف، الذين هم أفقه الناس بلغة الوحي، وأورعهم عن الخطأ في التأويل، وأقربهم إلى عهد النبوة، وأتقاهم في تنزيل الأحكام.
كما أن أقوال السلف لا تُفهم إلا على ضوء منهجهم، فهي مختصرة موجزة، ويغلب فيها التعبير بالألفاظ العامة، ولا يصح أن تُنزَّل على الأعيان إلا بتحقيق الشروط ورفع الموانع، وهي قاعدة متقررة عند الأئمة، كالإمام أحمد، والشافعي، وابن عبد البر، وابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم.

غير أن طائفة من أهل الغلو في زماننا، عُرفوا بـ”الحدادية”، أغاروا على هذا المنهج، وفهموا أقوال السلف بمعزل عن أصولهم، وسارعوا إلى التكفير والتبديع، واستندوا إلى ألفاظ عامة دون مراعاة للسياقات، ولا اعتبارٍ للشروط والموانع، فخالفوا بذلك أئمة الدين، وادّعوا نصرة السنة، وهم من أبعد الناس عن مسلكها.

🔹 أولًا: الخلط بين “التكفير المطلق” وتكفير المعيّن

من أعظم الانحرافات التي وقعت فيها الحدادية: عدم التفريق بين الحكم على القول أو المقالة بأنه كفر، وبين الحكم على القائل بأنه كافر، إذ يظنون أن كل من وُصف قوله بالكفر يكون كافرًا في ذاته، دون النظر في تحقق الشروط أو وجود الموانع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

“أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع… يظنون أن من قال قولًا أطلق عليه أحد الأئمة أنه كفر يكون كافرًا مطلقًا، ولا يراعون الشروط والموانع…”
📘 مجموع الفتاوى (3/229)

وهذا يدل على أن ألفاظ الأئمة، كقولهم: “الجهمية كفار”، أو “من قال القرآن مخلوق فهو كافر”، لا تُنزَّل على الأعيان مباشرة، بل لا بد من التأكد من توفر الشروط وانتفاء الموانع في حق الشخص المعين.

🔹 ثانيًا: اشتراط قيام الحجة قبل تكفير المعيّن

من القواعد الراسخة عند أهل السنة: أن المسلم لا يُكفَّر إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليه، وتوفر شروط التكفير، وانتفاء موانعه.

قال الإمام الشافعي:

“ذهب الناس من تأويل القرآن والأحاديث أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها فتباينوا فيها تباينًا شديدًا واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته… فلم نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله… فكل مستحل بتأويل من قول أو غيره فشهادته ماضية لا ترد من خطأ في تأويله…”
📘 الأم (6/222)

فكلامه صريح في أن مجرد الوقوع في التأويل الخطأ، وإن بلغ غايته، لا يستلزم رد الشهادة، فضلًا عن الحكم بالكفر،
وقال الحافظ ابن عبد البر:

“من جهل بعض الصفات وآمن بسائرها لم يكن بجهل البعض كافرًا، لأن الكافر من عاند لا من جهل؛ وهذا قول المتقدِّمين من العلماء، ومن سلك سبيلهم من المتأخرين.”
📘 التمهيد (18/42)

ويؤكد بهذا أن الجهل ببعض مسائل الصفات لا يخرج من الملة، بخلاف من أنكرها عنادًا.

ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن قتيبة قوله:

“قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يُكفّرون بذلك.”
📘 فتح الباري (6/604)

فهذا يعزز قاعدة أن الخطأ في الصفات لا يوجب التكفير إذا كان عن جهل أو تأويل سائغ.

وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله –:

«وكفر الجحود نوعان: كفرٌ مطلقٌ عام، وكفرٌ مقيَّدٌ خاص.

فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله، وإرساله الرسول.

وأما الخاص المقيَّد: فأن يجحد فرضًا من فروض الإسلام، أو تحريم محرَّمٍ من محرماته، أو صفةً وصف الله بها نفسه، أو خبرًا أخبر الله به؛ عمدًا، أو تقديمًا لقول من خالفه عليه لغرضٍ من الأغراض.

وأما جحدُ ذلك جهلًا، أو تأويلًا يُعذر فيه صاحبه، فلا يُكفَّر صاحبه به؛ كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يُحرِقوه ويذرُوه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله؛ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغَ علمه، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادًا أو تكذيبًا».

📘 مدارج السالكين، جـ1، صـ348


ومع أن كلامه فيه جحد للقدرة، إلا أن الجهل حال بينه وبين الكفر المخرج من الدين .


الإمام البخاري واشتراط إقامة الحجة في مسائل الأسماء والأحكام

إن مما تقرر عند أهل السنة والجماعة، أن الحكم بالكفر لا يُطلق على المعيّن إلا بعد قيام الحجة الرسالية، وزوال العذر والجهل، لا سيما في المسائل التي يشتبه فيها الأمر، ويقع فيها التلبيس، ويختلط فيها الحق بالباطل على كثير من الناس، خاصة في زمان الفتن وغلبة أهل البدع.

وقد قرر هذا الأصل الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، إمام أهل الحديث، في كتابه “خلق أفعال العباد”، وذلك في سياق بيانه لمسألة القول بخلق القرآن، وهي من أشد المسائل وأعظمها خطرًا في أبواب الاعتقاد، وقد ابتُلي بها أئمة الإسلام في عصره.

قال البخاري رحمه الله:
“وكل من لم يعرف الله بكلامه أنه غير مخلوق، فإنه يُعلَّم، ويُردّ جهله إلى الكتاب والسنة، فمن أبى بعد العلم به، كان معاندًا.”
ثم استشهد بقوله تعالى:
﴿وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون﴾،
وقوله: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى﴾.

وأشار بعد ذلك إلى ما عليه أئمة السنة، فقال:
“والمعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله غير مخلوق، وما سواه مخلوق، وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن الأشياء الغامضة، وتجنّبوا أهل الكلام، والخوض والتنازع، إلا فيما جاء فيه العلم، وبيّنه رسول الله ﷺ.”

📘 [خلق أفعال العباد، للبخاري، ص: 63، ط. المكتب الإسلامي]

وهذا النص من البخاري فيه تقرير صريح بأن من قال بخلق القرآن لا يُحكم عليه بالكفر حتى يُعلَّم، ويُبيّن له الحق، وتُقام عليه الحجة، ويُردّ جهله إلى الكتاب والسنة، فإن أصر بعد البيان والعلم كان معاندًا. وهذا فيه تفريق واضح بين الجاهل والمعاند، وبين القول المجمل والقائل المعين، وهو المنهج الذي درج عليه أئمة الهدى، كأحمد ومالك والشافعي وغيرهم، بخلاف أهل الغلو الذين لا يفرّقون بين الأمرين، ولا يلتزمون بقاعدة التبيين، بل يعممون أحكام التكفير على الأعيان، وإن كانوا لم يعلموا أو لم تُقم عليهم الحجة.

وقد خالف هذا الأصل طائفة الحدادية في هذا الزمان، الذين وقعوا في الغلو والانحراف، فجعلوا كل من تلبّس بمقالة باطلة كافرًا، دون اعتبار لجهل أو لبس أو شبهات، ولا يلتفتون إلى شرط العلم ولا إلى قيام الحجة، فناقضوا في ذلك منهج الإمام البخاري وأئمة السنة، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا، وما هم إلا غلاة جدد أعادوا سيرة الخوارج بثوبٍ معاصر.


ثم إن الأخ عمر استجاب لطلبي، وحذف المنشور احترامًا وحبًا لا ضعفًا ولا تنازلًا، لأنه يعرف قدر الإخوة، ولأنكم قد ورّطتم أناسًا آخرين ليس لهم علاقة.

ولأني – ورغم تسرعكم وطيشكم وتكفيركم المسلمين بالهوى – لا أرضى أن يُخدش أحد من المسلمين بخدش، حتى وإن انحرف وأعوج منهجه في بعض الأصول والقواعد.

ثانيًا، هذا الأسلوب في الكلام ليس أسلوب طالب علم، وعيبٌ أن يتصرف شخص ينسب نفسه للدعوة بهذا الأسلوب، ويتكلم بهذه الطريقة.

فإذا خاصم فليخصم بالله، وليتكلم بـ”قال الله، وقال الرسول”، وإن كان عندك تصحيح أو رد، فردّ بالعلم.
ونسأل الله أن نكون من المتبعين للحق، لا لأهوائنا.

ثالثًا، أنت ادّعيت بمنشورك أن تكفير الهادي اجتهادي ولا يلزمك فيه.
فكيف يكون مثل هذا؟! وقد وصفت الأخ عمر بـ”الملحد”!

كيف يكون تكفير “ملحد” مسألة اجتهادية؟!
فيجب أن يكون حكم الآحاد في حق معين تكفيرًا لا التباس فيه ولا شبهة، إلا إن كان التكفير الواقع عن هوى وجهل، فهنا يكون لكل أحد أن يقول ما يريد، ويكفّر من يريد، كيف شاء!

أو أن تكون ألفاظ التكفير التي ترمون بها المسلمين ليست إلا عبارات عصبية، ألفاظًا دون معانٍ، لا تعملون بمقتضاها، ولا تعتقدون مقاصدها.
ولا يحصل مثل هذا إلا ممن يلهو ويلعب بألفاظ الشرع والدين.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما.”

رابعًا، ذكرت أني كفرت أحدًا من السلف، وهذا افتراء من غير بيّنة وكلام بلا دليل!
فكيف حكمت علي أني قد كفرت السلف، وأنت لا تعرف حتى من هو صاحب القناة؟!

بل كذبٌ والله، فوالله ما أنشأنا هذه القناة إلا دفاعًا عن منهج السلف الذي حرّفتموه بفهم الخليفي المشوه، ومحمد بن شمس الدين.

بل حتى إني لا أكفر المدعو “الهادي الأثري”، لأنه لم يقع في ناقض من نواقض الإسلام، ولأننا نعرف لدين الله حقه، وللأحكام وزنها ومحلها، فلا نرمي أحدًا بكفر أو فسق أو تبديع إلا على بيّنة من أمرنا ودليل من الكتاب والسنة.

بل نسأل الله لكم الصلاح والهداية عن انحرافكم وغلوكم.

20 last posts shown.
OSZAR »